عندما سُئل "أرسطو": مَن يصنع الطغاة؟ فأجاب: "ضعفُ المظلومين". أمَّا "ابن خلدون"، فقد خلد التاريخ مقولته الأشهر: "الطغاة شرط الغزاة"؛ فجميع الدول التي حكمها طغاة، انتهت بها الحال إلى التدخلات الخارجية بصور شتى. ولا طغاة بدون قطعان من العبيد، كما كتب الدكتور زكي نجيب محمود: "إننا نَتخلَّقُ بأخلاق العبيد، مهما بدا علينا من علائم الحرية وسماتِ السيادة".
وعودٌ على بدء.. فإن الفيلسوف اليوناني "أرسطو" عرَّفَ "الطغيان" بأنه "صورة للحكم الفردي في ممارسة السلطة من دون رقيب او حسيب، فهو بذلك يسبغ على نفسه صفات الألوهية، ولا يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه". ولـ"أرسطو" مقولة أخرى مهمة جدًا هي: "الشرقيون كانوا بطبيعتهم عبيدًا". والطغيان يقترن دومًا وأبدًا بالفساد الذي تحتفل الأمم المتحدة باليوم العالمي لمكافحته في التاسع من ديسمبر منذ عام 2003. جميع الدول التي يحكمها طغاة فاسدة على جميع المستويات: سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا ونفسيًا ودينيًا واخلاقيًا. الطغاة لا يحكمون الشرق فقط؛ فبحسب "فريدوم هاوس"..فإن هناك 106 أنظمة ديكتاتورية حول العالم، تتحكم في نحو ملياري نسمة على الأقل.
القرآن الكريم عرج على سير بعض الطغاة وكشف عن نهاياتهم المأساوية مثل: "النمرود" و"فرعون" وغيرهما؛ ففي الأول قال: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ"، وعن الثاني ذكر: "وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَد. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد". لا يأبه الطغاة، لا سيما المستجدون منهم، بنهايات أقرانهم السابقين، ويظنون دومًا أنهم في معزل، وأنهم مُحصَّنون، ولكن بين غمضة عين وانتباهتها يقضي الله بما لا يخطر على بال؛ حيث لا عاصم من أمر الله.
وكما ذكرت لك آنفًا..فإن الحكام لا يصبحون طغاة إلا بوجود طُغمة فاسدة تزين له الباطل، وتحرضه عليه؛ حتى يصبح نسخة من فرعون عندما قال لقومه: "أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى"، "مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد". ويحفل التاريخ بنماذج صارخة في تقديس الحكام وتأليههم، فها هو الشاعر الأندلسي "ابن هانيء" ينافق المعز الفاطمي بقوله: ما شئت لا ما شاءت الأقدار/ فاحكم فأنت الواحد القهار!
يبقى كل شيء على ما يُرام حتى يظهر العبيد؛ حيث يصير الحق باطلاً، ويغدو الباطل حقًا، وتصبح الحرية من المحرمات، وهو ما دفع "أفلاطون" إلى أن يردد مأثوره: " "لو أمطرت السماء حرية ، لرأيت بعض العبيد يحملون مظلات". يبكي العبيد على سقوط الديكتاتور؛ لأنهم أول الخاسرين. لا ينشغل العبيد أبدًا بالمساجين المظلومين، لا بذويهم المقهورين، ولا يزعجهم أنين الثكالى؛ هم مشغولون بأنفسهم الآسنة الآثمة فقط. يتظاهر العبيد بشعارات الوطنية الزائفة، وهم كما وصفهم معروف الرصافي: لايخدعنك هتاف القوم بالوطن/ فالقوم في السر غير القوم في العلن/ فما لهم غير صيد المال من غرضٍ/ في اليوم والغد والماضي من الزمن/ لم يقصدوا الخير بل يستذرعون به/ رميًا إلى الشر أو قصدًا إلى الفتن..